دراسة تحليلية لقصيدة
"قلبي يفر بلا اتجاه" للشاعر الكبير محمد ابراهيم أبوسنه
قلبي يفرُّ بلا اتِّجاه
شفتاك فاكهتان من عسل ونار
وكواكب بعثت من الزمن القديم
من السديم
ترف في اُفق النُّضار
وحشَّيتان كموجتين من السُّعار
تُّلقى بما يبقى من القلب الوجيع
الى مرافئ الانتحار
تُلقى به دهراً من الامل المثلج في الضلُّوع
وفي خليج الذكريات
شفتاك طالعتان في نهر الربيع
موجاً من الورد المرفرف
في صفاء الذاكرة
يهب البراري الاخضرار
غرب النهار
في أُفق عينيك.. المسافة
بين قلبي والنُّجُوم
قصرت وطال الشوق
مات الانتظار
حُلمٌ يُطلُّ من الَّليالي المُظلمات
الى السفوح الهابطات
فلعلّ صوت الاُغنيات
يأتي الى القلب اليتيم
ظمأ الى الماء المضيّع
في الصخور
"قلبي يفر بلا اتجاه"
عنوان النص يدل علی توتر الشاعر فهو يری أن قلبه يفرُّ منه دون بوصله ، وليس يعرف أين يفر هذا القلب؟
أبو سنه هنا يتجاذب الحديث ويعلق علی أطرافه ويستحدث أنموذجا جيدا للحوار الغزلي
يدور في ثنايا شعره بينه وبين محبوبته وهي تجربة شعرية جيدة في الغزل
أنتجها لمعالجة الموقف ، وخلق حوارا بينه وبين حبيبته تأثّرا بمأساةٍ يتعايشها الشاعر
و إذا نظرنا إلی ألفاظ النص (فاكهتان ـ عسل ـ النضارـ نهر الربيع ـ الورد المرفرف ـ صفاء الذاكرة ـ الاخضرار)
ثم
(نار ـ وحشيتان ـ السعارـ الانتحار )
هذا التناقض الكبير بين هذه الألفاظ يبرهن بأن الشاعر مصاب بداء كبير والدواء هو قرب حبيبته
أيضا النص يتمتع بحوارية قويّة نتجت عن ألم عظيم في قرارة نفس الشاعر
أما عن مطلع القصيدة في التفعيلات الثلاثة الأولی
عيناكِ فاكهتان من عسل ونار
متفاعلن متفاعلن متفاعن
وهي تفعيلة بحر الكامل التي ساعدت الشاعر في استخدام الألفاظ استخداما دقيقا
وأعانته علی رسم الصور الفنية في النص بأجمل ما يكون
شفتاك فاكهتان من عسل ونار
وكواكب بعثت من الزمن القديم
من السديم
ترف في اُفق النُّضار
وحشَّيتان كموجتين من السُّعار
تُّلقى بما يبقى من القلب الوجيع
الى مرافئ الانتحار
يصور الشاعر شفتي حبيبته بأنها كمثل كواكب أرسلت من الزمن القديم إلی النضار والنضار في معجم المعاني بمعنی تكاثف أو تجمع نجوم بعيدة تظهر وكأنها سحابة خفيفة أو بقع خفيفة الضوء
ثم يأتي بتعبير جميل
ويقول : وحشيتان كومجتين من السعار
والسعار في معجم المعاني بمعنی اللهب الشديد والحرارة
إذ أنه يربط الموج الذي مهمته في الوحشية أن يقوم بإغراق الشخص فقط بالنار شديدة اللهب
وكأن هذه الشفاه إذا أطلقت ستكون مثل الموج الملتهب شديد الحرارة وستجبر قلبه علی الانتحار إذا نجی من هذه الوحشية المفرطة
ثم يتذكر بعد ذلك الأمل القديم وكم أعطته هذه الشفاه من آمالٍ ، ثم عاودت وألقته في خليج الذكريات
ــــــــــــــ