من المجموعة القصصية ( ضجيج الصمت )
بقلم أ / رمضان سالم
~~~~~~
مراهقة لا تدرك من الأحلام إلا زيفها شأنها شأن كل مراهقة تنحصر أحلامها في زوج يحتويها و أسرة تدير شئونها ، على هذا قبلت الارتباط و أن تعيش في كنفه ، بعد أن وضع نصب عينيها كخيار وحيد لا بديل له ٠
ما كانت تعلم أحلامها رفيقة عمرها ، تكبر معها غير مدركة التطورات الهائلة - و التغير السايكولجي حتمي - و يحدث وفقا لطبيعة التكوين البشري ، و أن الرؤى تتبدل بتغير الأحداث في حياة الإنسان ٠
استمرت في كنفه لسنوات حتى أنجبت طفلها الأول ، و بعد ذلك أخذت تقلبها الأيام بين كفي الاستقرار النسبي تارة ، و الخلافات الشاقة تارة أخرى ٠
و في كل مرة تزداد وتيرة الخلافات و حدتها ، و الهوة يتزايد اتساعها حتى أدي ذلك إلى الانفصال المؤسف ، فتركته مصطحبة طفلها الصغير و أخر حشر في أحشائها عائدة إلى أهلها ٠
لقد فقدت أحلامها الزائفة معلولة بتجربة يائسة بعد تغيرات فسيولوجية نجم عنها عواقب وخيمة جذرية و هائلة لم تكن بحسبانها غيرت مجرى حياتها إلى حيث لا تعلم ٠
اختارت أن تواصل رحلة حياتها مع والديها متناسية مشاعرها ، أو ربما جمدتها في أعماقها البعيدة ، و لا يثير انتباهها إلا طفلاها الصغيران بعد أن أفرج القدر عما بأحشائها ، فانكبت عليهما ؛ لتشملهما برعايتها ، و توليهما كل اهتماماتها ٠
بعد سنوات مرت تجاهلت - خلالها - أنوثتها لا يبقى منها إلا ملامح النساء ، وضعها القدر أمام رجل تعرف عليها ، و أعجب بها كثيرا ، فاستطاع أن يفك شفرة خيوط البؤس المرسوم على وجهها ، و أن يقرأ ما تخفيه خلف يأسها ٠
كان يتسم ببراعة الإحتواء ، و بلاغة القول ، و يعلم كيف يعبر عما يجول بداخله ٠
ظلا يلتقيان بين الحين و الأخر ، و في كل مرة يلاطفها بعبارت بليغة و مقنعة شعرت بصدق و دفء مشاعره ، ظلت تتنامى اللهفة بينهما رويدا رويدا حتى استيقظت أحاسيسها المجمدة بداخلها ، و انسابت كالأمواج التي تحركها الأعاصير العاتية حتى صارت حبا كبيرا كان يفتقده كلاهما ، فأحبته بكل جوارحها و حرمانها المستعصي ٠
تعانقت أرواحهما و حلقتا معا في رحاب الصفاء و التأمل ، تتبادلان أهازيج الهوى على أيكة الاشتياق ، تسود الوحشة الجنونية كل لقاء ، فكلما كان الأمل بعيدا كانت حرارة اللقاء محرقة مضنية ، فيصارعان الأغتراب و فروق المسافات الطويلة بشراسة شديدة ٠
لقد تمكن من أعادتها إلى أنوثتها المفقودة ، و هي أيضا كانت لها القدرة أن تسترد إليه أمل البقاء و أحلامه التي سقطت من فؤاده في زحمة الأيام التي لا ترحم عجلاتها ، و لا تبقى على ما تشتهيه الأرواح ٠
و بعد أن حلق حبهما و تجاوز مدى أفاقهما ، ظهر على غير المتوقع طليقها ؛ ليستعيدها ؛ و ليجمع شمل أسرته المشتتة ، فسلك كل مسلك يؤدي به إلى غايته ، و لا يعلم أن الأيام تدور بحدة ، و لا تبقي شيئا على ما كان عليه ، فاستعان بكل من هم حولها ، فهم من جعلوا منه حلا لا بديل له من قبل ، فوقعت تحت ضغوطات هائلة قاموتها بكل ما لديها من سبل المراوغة معتصمة بحبها الذي أحسته لأول مرة ، و توغل بأعماقها ، فلم يتمكنوا من أقناعها بشيء بعد أن زينوا لها بعض الاحتمالات ، و وضعوا العراقيل و العوائق على الأخرى ؛ ليقنعوها بضرورة العودة لطليقها ؛ ليساهم في بناء الأسرة ٠
فالطرق مسدودة أمامها و ما بها هو مضيعة لأيام عمرها ، و في نهاية المطاف عائدة لأسرتها لا محالة ٠
فشل الصراع الضاري بينها و بين من زعموا قدرة التأثير عليها لجرجرتها مرة أخرى مغلولة بأغلال العادات التي لا تؤمن إلا بأحكامها الجافة شديدة الصرامة ، فهى امرأة متمردة بطبيعتها ، و قد تمردت عليه كما تمردت على ذاتها من قبل ٠
لم يكن أمامهم إلا إقناع صديقة طفولتها التي تحبها ، و تثق بها ثقة غير محدودة ، و تعلم عنها أدق تفاصيل حياتها ، و أعجبت كثيرا بتجربتها مع ذاك الرجل الذي أنتقل بها إلى أفاق أوسع ، و ساندتها ؛ كي تواصل تحقيق أمنياتها ٠
و بعد محاولات تمكنوا من إقناع الصديقة بشتى الحجج ؛ لتثنيها عن حبها الضال بين احتمالات المجهول ، و الذي شعرت به و تعايشت معه لفترة طويلة ، و كان لها الحقيقة المؤلمة التي أعادت إليها توازنها و أنوثتها ، و أحساس لم تعرفه من قبل ٠
و أخيرا أقنعتها أن حبها محكوم عليه بالفشل عاجلا أم أجلا ، و أمل تتويجه ضئيل للغاية ، و سيظل عالقا على أكتاف الرجاء - و الحياة لا بد لها أن تستمر - فهذا الرجل مثقل بالأعباء ، و يحتاج لوقت حتى يسنح له تحقيق ما يصبو إليه - بحسب ما أفصح لها و ما ذكرت هي لها - ٠
هكذا أقنعتها تلك الصديقة التي كانت تعلمها جيدا ، و تراقب كل انفعالاتها الداخلية ، و باركتها من قبل ، و الٱن تراجعت عنها معتقدة أنها ترجح مصلحتها ، و هي العدول عما هي عليه و العودة إلى بيتها و طليقها ٠
و ما تسعى إليه هو احتمال مخيف و وهم المستحيل ، الذي لا يتناسب و لا يتماشى مع حقيقة الواقع ٠
لقد وقعت الصديقة أيضا أسيرة أراء من زجوا بها ؛ لتتحمل أعباء مهمتها ممن دفعوها لممارسة شتى سبل الترغيب ، و وسائل الضغط النفسي ؛ كي تثني صديقتها البائسة عما استقرت عليه مشاعرها ٠
أسقطت ، فحطمت عاطفتها البريئة المرهفة على شدة إصرارها ، و التي هي على علم بها لتحقيق ما أوهموها به ، و لم تعي أنها تدفع بصديقتها إلى مقصلة لبتر كل ما تمنته ، و وأد الأمل الذي أشرق في أفاق وجدانها ، فجعلتها محاصرة بخيبة الأمل منساقة إلى احتمالات مخيفة و أشد قتامة ٠
تحت هذا الضغط العنيف قررت المرأة أن تعود مع صديقتها إلي الماضي ؛ لتحاول الكرة من جديد غير واعية للأثار المترتبة على قرارها المفاجيء ، و أنه أيضا احتمال مخيف ٠
كانت الغلبة للصديقة التي تمكنت من تجريدها من رداء عاطفتها التي تمخضت عن تجربة أنعشت حواسها تحت تأثيرات شديدة القسوة ، و أنها لا بد أن تتخلص من أوجاعها ، و أعباء أشجانها ، و عليها أن تتفرغ لمحاولة ترميم ما أفسدته الأيام ٠
....... لها بقية .......
~~~~~~~~~~~