الجزء الأخير من القصة القصيرة.. الاحتمالات المخيفة
بقلم / رمضان سالم ( رمضان العلالقة )
~~~~~~~~~~~~
كانت الغلبة للصديقة التي تمكنت من تجريدها من رداء عاطفتها التي تمخضت عن تجربة أنعشت حواسها تحت تأثيرات شديدة القسوة ، و أنها لا بد أن تتخلص من أوجاعها ، و أعباء أشجانها ، و عليها أن تتفرغ لمحاولة ترميم ما أفسدته الأيام ٠
تخلت عما بين جوانحها ، مما جعلها تُجهز على حبها معصوبة الأعين ، فسددت له طعنة قاصمة مقتنعة بما فعلت ، و استدارت بوجهها إلى احتمال أخر ربما شعرت أنه أقل خوفا تاركة وراء ظهرها حبها يتخبط في دمائه ليلفظ أنفاسه الأخيرة وحيدا ٠
ما كانت تعلم أن الأيام تُخفي في جعبتها الكثير ، و أن الحب حي لا يموت كما بدا لها ، و ما هى إلا أيام مرت تغمرها عفوية غفواتها التي زُجت بها ممن حولها ، و الثقة بصديقتها التي سلمت لها مفاتيح إرادتها ؛ لتنتشلها من الضياع في ذاك الاحتمال المخيف الذي كانت تسعى إليه غير مدركة أبعاده كما قيل لها ٠
هكذا أوهمت - و لاسيما من صديقة طفولتها - فوقعت تحت طائلة اليأس المُقّنِع بعد أن تذكرت أن الحب الذي زلزل وجدانها و قلب حياتها رأسا على عقب قد أصابه سهام التقيد بأغلال صارمة ، كسابقاتها من العاشقات اللواتي تعبدن عشقهن في معابد العاشقات الوالهات قديما ٠
عادت لتجربتها التي فشلت من قبل مُجبرة يرافقها أمل الاستقرار بعد أن ضربت حبها الذي يسري بين أوردتها بقسوة ، و تبددت أشلاء أمنياتها الحقيقية زاعمة أنها قد تخلصت منه ؛ حتى لا يزعجها و لا يؤرق اختيارها المكرر ٠
نتجت تجربتها الأولى عن انفعالات وهمية تتفق مع طبيعة المرحلة ، و ما عاشته هو الألفة و دفء الأسرة ، و هو حلم كل مراهقة لم تنضج عاطفتها ، فما كانت تعلم كيف تتحرك العاطفة ؛ لتصبو لمن أثارها و أقنعها و حقيقة انفعالاتها ، و ما تتركه من انعكاسات مؤلمة ٠
عادت متجاهلة ما فعلت - و لكن هيهات - مازال حبها يتنفس في فراغات فؤادها على استحياء ، متسترا في خوفها و قيود إرادتها المسلوبة بما أوهمت به ، فما زال حيا ينبض على غير إرادة الجميع ٠
و مع أول صدمة تلاشت أوهامها التي حُصرت بها ، و انتفض من بين ضلوعها خصما عنيدا يثأر لما فعلت به ؛ و ليفرض عليها عقاب الحسرة و الندم أفاقها من غفوتها الثقيلة وحيدة فارغة بعيدة عن حبها الوحيد الضائع في غياهب الأيام ٠
أيقنت أنها في عمق كهوف الخوف الملبدة بالغيوم القاتمة ، و أن ما فعلته كان خطأ كبيرا لا يمكن تصحيحه ، فدفع الحنين و الوحدة القاتلة الدموع في عينيها ؛ لتنهال بغزارة شديدة كأنها تشتهي البكاء منذ زمن بعيد ٠
أخذ رأسها يموج بالتفكير في الماضي الذي تفجر كحمم البراكين ؛ ليعبث بكل تفاصيلها ، و يصيب كل ما يلحق به بالضرر البالغ متذكرة حبيبا كان يملأ هوة فراغاتها الشاسعة ٠
لقد أحبها حبا جما ، و منحها روحه و قلبه ، و كان يخشى اختياراتها ، و يتحسب عاقبتها ، و يراها المرأة التي لطالما حلم بها ، و كانت له الوسيلة التي يستمد منها البقاء و الشمس التي تحنو عليه كل صباح ؛ لتبعث بدفئها و نورها ، و تبدد ظلام ليله الطويل ٠
تركته و أحلامه كالجسد البالي يعتريه شعور الفقد ، و اليأس يطارد كل أمل يبزغ أمام عينيه ، فصارت أجزاؤه رهينة الخوف و الألم الضارب بشتى أعماقه ، فكان عليه أن يرحل مستسلما للقدر الذي فرض عليه احتمالاته العديدة ، و التي لم يختر إحداها ، فأدركت أنها ارتكبت جرما لا يمكن غفرانه ٠
~~~~~~~ تمت ~~~~~~~