recent
أخبار ساخنة

الأميرة العاشقة .. ( قصة قصيرة ) .. ( 1 )

الصفحة الرئيسية

بقلم: حسن عصام الدين طلبة
قليلة تلك اللحظات السعيدة الممتعة التى نعيشها فى حياتنا القصيرة ، وعلى الرغم من قلتها إلا أنها بمثابة الترياق لتلك الحياة ، تعيد لنا حيويتنا من جديد وتجعلنا نتحمل الصعاب ، ونتجاوز المحن بقلوب مفعة بالأمل .. الأمل الذى نحيا به آملين فى لحظات أكثر من السعادة وأطول فى مساحة حياتنا .. وكثيراً ما نحاول الحفاظ على إستمرار الشعور بالسعادة ، بإحتفاظنا بمن نحبهم إلى جوارنا ولكن غالبا ما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ..
فى نهاية العقد الثالث من القرن الحادى عشر وعلى الأراضى الشاسعة لبلاد الأندلس ( أسبانيا ) إلى جهة الشمال من الساحل الشمالى الغربى للبحر المتوسط وعلى مجرى النهر الكبير كانت قرطبة المدينة الجميلة تعيش أبهى ايامها بعد سنين من الإضرابات والأحداث المأساوية التى حلت بالبلاد نتيجة الصراعات على السلطة والنفوذ ، وعادت المدينة العريقة ترتدى لباس البهجة والإزدهار فى ظل الحكم الجديد لجماعة القضاه وعلى رأسهم القاضى المنتخب إبن جهور ..
وها قد تركت الأحزان قلب الأميرة الشابة فائقة الحسن والدلال " ولادة " بعد فراقها لأبيها الأمير المستكفى بالله وذلك بموته المأساوى ، فقد إستولى على الخلافة في الأندلس بطريق المؤامرة والدسائس وسفك الدماء ، فهاهو يدفع الثمن غالياً ، وكما تدين تدان .. فقـُتـِل كما سبق أن قـَتـَل .. وبعد شهور قضتها فى حداد على فراق أبيها وبعد أن هدأت الأحوال فى البلاد ، فتحول الحال فإذا بنا وكأننا أمام نار تمخضت عن رماد ، فولادة التي عانقت الشعر والثقافة والظرف والجمال والحب والعشق كانت ملئ السمع والبصر فى كل أنحاء الأندلس فأصبحت تـُعـْقـَد للأميرة مجالس فى قصرها ، يـُدعى إليها أشراف البلاد من كبراء القوم وسادتهم ، وفيهم الزعماء والأمراء والشعراء والأدباء ، فصارت لها شهرة جعلتها من أشهر النساء لذلك العصر ، وتطاير ذكرها حتى أضحى إسمها مقترنا بكل من حولها أو إقترب منها فى قصور مدينة قرطبة ..
عبر فارس الشعر والأدب إبن زيدون عتبة القصر وقد دعى لمجلس الأميرة ، ذلك الشاب الوسيم طويل القامة ، عريض المنكبين ، جميل الطلعة ، أنيق المظهر فى حـُلته الحريرية ، وعمامته الصغيرة ، يتدلى طرفها المزركش باللون الأزرق والفضى على حلته بنفس النقش ، يعلوها الجلباب الحريرى الفضفاض ، وتلقاه المضيفون إلى حيث الردهة الكبرى للمجلس الكبير ، وقد إحتشد بالضيوف الكبار ، وراح جميعهم ينتظر قدوم الأميرة الداعية لمجلسها الأدبى ..
نزلت الأميرة من عليائها فى قمة سلم القصر فى حلتها الأنيقة الملاصقة لعودها المبهر الغض بلونها العاجى وطرفها الطويل ، وقد احاط بخصرها طوق لامع من الحرير المطرز بلونه القرمزى يتوسط خصرها ، بأكمامها الممتدة حتى رسغها ، فكشفت عن بياض بشرتها الوردى وقد نقش على ظهر أكفها وشم رقيق على هيئة أوراق الزهر ..
تعلقت أعين الحاضرين بالأميرة بنت البيت الأموى ، بعد أن صاح أحد الخدم بإسمها ولقبها ، فقام الحضور ، وراحوا يصفقون بأكفهم فى وقار ورقة ، بينما تجلى لهم جلبابها الحريرى بلونه القرمزى ، وطالعت أعينهم كتابة من الحرير المطرز بسلوك الفضة على عاتقي الجلباب فوق صدرها بأبيات شعر ، راح يتبينها الحاضرون ، فإذا هى تقول :
أنا والله أصلح للمعالي وأمشي مشيتي وأتيه تيها ..
وأمكن عاشقي من صحن خدي وأعطي قبلتي من يشتهيها ..
ازداد التصفيق من الحاضرين لروعة ما يشاهدوه لأول مرة فى حياتهم .. فهاهى الأميرة تصرح بجرأة منقطعة النظير أنها ترحب بزائريها ، ولا تمانع أن تعطى قبله لمن يرغب فى ذلك .. " هذا شيء لا يصدق " قالها الوزير الشاب للبلاط الأندلسى لمرافقه ، فقال المرافق : هكذا هى الأميرة ليس لها مثيل فى كل الأندلس .... تابع إبن زيدون قائلاً : لم ارى فى حياتى مثل هذا الجمال الفتان ..
جلس الجميع ، وراح الخدم يطوفون على الضيوف بطسوس فضية تحمل كئوس الشراب البارد فى الليل الصائف ، وبدأ النقاش يقوده الشاعران الشهيران أبو عبيد الله القلاسي وأبو عامر بن عبدوس .. ودعت الأميرة الشعراء لسجال شعرى بينهم ..
فوجئت الأميرة بذلك الشاعر الشاب وقد إنطلق لسانه بالشعر العذب الجميل ، تفوق فيه على كل نظرائه ، حتى أنهم تركوه يرتجل الشعر الجميل فتطرب له أسماعهم ، وتبتهج له نفوسهم .. وخلال ذلك مالت الأميرة على الشاعر أبو عامر لتسأله فقال لها قبل أن تنطق بكلمة وقد علم من نظرات الأعجاب فى عينيها أن الشاعر الوسيم قد أصاب شيئا فى قلبها ، فقال بتملل : إنه إبن زيدون .. ذلك الشاب المغرور .... فاستوت على مقعدها الوثير وهى تقول فى صوت خافت : إذن فهذا إبن زيدون الشاعر الذى يملأ شعره الآفاق ..
إنتهى الشعراء والأدباء من محاوراتهم إلى أن دُعى الجميع إلى موائد الطعام والشراب فى إستراحة قصيرة ، يواصل بعدها الجميع سجالهم الأدبى والشعرى ..
إقتربت الأميرة من الشاعر الشاب ، وطالعته ببسمة رقيقة ، وراحت تقترب منه وتقول : أحسنت ايها الشاعر الوسيم إبن زيدون .. فما أجمل شعرك .... بهت الشاعر الشاب ، وهو يرى البدر يطالعه ويتحدث إليه ، وكأنها ليلة القدر .... ( تابع الجزء التالى ) 
google-playkhamsatmostaqltradent