بقلم / رمضان العلالقة
~~~~~~~~~
لم يكن مجرد عاشقا يصارعه القدر حتى أختنق صدره بالاشتياق و اللهفة الجارفة و لم تكن تلك المرأة التي أحبها و تعلق بها قلبه الذي تنازعه ٱهات مكبوتة بأعماقه الثائرة كغيرها من النساء بل كان يضع بها كل ٱماله و أمنياته الضائعة بين ضفاف أيام أقسمت أن تحرمه و تسلبه أحلامه لتضعه على حافة اليأس
و بها بدأت الحياة تدب بين حنايا روحه من جديد فهو يراها أرضا خصبة زرع في جوفها طموحاته التي طالما كان يحلم بها و يترقب حصادها عن كثب
و كلما غدت عنه يساوره الخوف فيتفحص كل شيء حوله بنظرات ثاقبة كبريق شهاب يلوح في فضاء الظلام
إنه يعوض ما مضى من حرمان و شقاء و ضيق عاطفي فأحبها بكل جوارحه و بكل جنونه
و بعد أوقات مرت كأعوام ثقيلة لم تشرق عليها شمسه و تبسط يد الضوء على كونه الدامس فلا ترى عينيه إلا الظلام الحالك أينما ذهبت طوال غيبتها
لم تتوقف نظراته الفاحصة و المحتقنة بالدموع حتى إنسلت الدمعة من عينيه كأنها قطرة من حميم فهي الحبيبة التي أرتجف لها قلبه و تفنن في حبها و هي المؤنسة التي تؤنس وحدته و ترفع عنه الكثير من أحزانه التي فرضها عليه الزمن
ما كانت تشبه غيرها من النساء بل كانت له كل النساء تلك المرأة المختلفة و المثيرة بجنونها و شغفها المفرط و صدق أحاسيسها
أخترقت ضلوعه و سكنت فؤاده و التصقت بشغافه و توجت ملكة على عرش أحلامه الوليدة و كانت ملكة طاغية استبدت بقلبه بعد أن أحكمت إغلاقه و لا يمكن أن يقبل قلبه بغيرها مقيمة
مرت أوقات غيبتها التي تمردت على قواعد الفلك ثقيلة و طويلة مختنقة بشعور الفقد و الخوف من المجهول الذي يطارد حلمه الذي يراه أمام عيناه كضوء خافت يتأرجح على أحبال خياباته
لقد تعود في حياته الماضية الأحلام المبتورة فأفقدته كل ما تمناه و لا يبقى إلا تلك الأمنية التي يتمسك بها تمسكه بعقيدته و يصارع الزمن لعله يلحق بها
على أعتاب المساء لملم الأصيل خيوطه من الكون ليزداد ظلامه ظلمة أخرى بلهفته الخارقة و حنينه الذي يسري بين عروقه و تشبعت به كل تفاصيله كل شيء حوله رسم علي ملامحه الشجن و الإغتراب
و حينما حط الليل رحاله و أشتدت به الظلمة كاد أن يفقد روحه مع أمنيته الضالة بين اللهفة و الرجاء
و عندما بلغ الاشتياق مداه تخيل أنها تأتيه بخطواطها الرشيقة و بكامل شغفها لتطمئن عليه و تعبر عن مدى اشتياقها و لتضع أعذارها نصب عينه
سرعان ما قاطعها بكلمات مرتبكة و متناقضة في مضمونها تتأرجح بين الحنين و التذمر و اللهفة و اللوم
ما كان يعلم من أي أبجدية أتت كلماته التي لا تعبر إلا عن إنفعالات مختلطة و متضاربة كأنه يريد أن يدفع بكل ما بأعماقه في ٱن واحد
لم يستمر هذا الحديث المضطرب طويلا فبرغم جنونها و تصرفاتها غير المحسوبة تفهمت إنفعالاته جيدا
هدأت الأمور بينهما بعد أن سكب كل منهما ما لديه من دموع الحنين أخذ الحديث ينعطف إلى منحنى التعبير عما يعتريهما من أحاسيس مرهفة و لم يكن عاديا بل كان حديثا يغلفه العشق الجنوني السجين بين ضلعيهما و رغبة مكبوته غلت بيد الحرمان المتأجج بداخليهما
أستمر حديث الروح الصامت بينهما طويلا بلا ملل حتى أحكم الصمت قبضته فساد السكون أركان البوح و فرضت الأنفاس ضجيجها بعد أن تعثرت أقوالهما فباتت الكلمات لا تجدي و لا تعبر عن لهفة كادت أن تفتك بوجديهما
حينئذ حلق خيال كل منهما في فضاء أمنياته الحالمة و رغباته السجينة كل شيء فرض عليه الصمت المطبق و لا يبقى إلا أنفاس صاخبة و رغبات ملحة تحلق في رحاب الأفق
ظل الحديث مختبئا تحت إرهاصات أنافسهما الساخنة و أمنية أجتاحت وجديهما كالسيل في مستهل الإنهيار فجرف كل مانع و حائل يحول دون لقاء لم يأذن به القدر بعد
إنفرجت رغبة التخيل فنظر في عينيها الواسعتين المجملتين بيد الله نظرة عميقة كأنه يبحث عن درر في قاع المحيطات
فأشتد سعيره في أعماقه مد يديه في تسلل نحوها و ألقت بيديها بين كفيه كأنها تلقي بهما متاعبها فتعانقت الأصابع بلهفة كأنها تراقص الأمنيات الساذجة
شعر بنبضات عروقها الساخنة بين يديه راح ليطبع قبلة ملتهبة و طويلة بطول حرمانهما على شفتيها المرتعدتين و المستديرتين كعنقود من زروع الجنة
و بدون أن يفصح عما يجول بأعماقه الثائرة التحمت شفاه التخيل و إنصهرت الأنفاس الصاخبة فأختلط الرضاب تحت ٱنات حارقة بدون أن يعلم أنها محاصرة بتلك الأمنية ذاتها و في نفس اللحظة
لم يستفيقا من غفوتهما الخيالية و المسكرة حتى سمعت صوته المحشرج في صدره قائلا ... أحبك بجنوني