بقلم أ / محمد سعيد أبوالنصر
من المعلوم أن صوم رمضان فريضة مكتوبة على المسلمين لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة البقرة الآية 183.والصيام ركن من أركان الإسلام ،فمن ترك صوم شهر رمضان جاحداً لفرضيته فهو كافرٌ بإجماع أهل العلم، ومن ترك صوم شهر رمضان متعمداً متكاسلاً، من غير عذر شرعي فقد وقع في معصية من كبائر الذنوب ، وأتى كبيرةً من أعظم الأثام والمعاصي . ويجب عليه القضاء، وهذا باتِّفاق المذاهب الفقهيَّة الأربعة. "فإذا انضم إلى فطره مجاهرته في ذلك فقد ازداد عصياناً وإثماً حيث إنه أظهر المعصية وتلبس بأفعال أهل المجون نسأل الله العفو والعافية.
وهذه جملة أحاديث تحذر من الإفطار وتشير إلى عظم ذنب من يفطر في رمضان متعمداً.
-عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: ((مَنْ أفطر يومًا من رمضان من غير رُخْصَةٍ ولا مرض؛ لم يَقْضِهِ صومُ الدَّهر كلُّه؛ وإن صامه))؛ رواه الترمذي (رقم: 723) واللفظ له، وأبو داود (رقم: 2396)، والنسائي في "السنن الكبرى"؛ (رقم: 3281)، وابن ماجه (رقم: 1672)، وابن خزيمة في "صحيحه" (رقم: 1987)، وذكره البخاري تعليقًا في (باب إذا جامع في رمضان من كتاب الصوم) غير مجزومٍ؛ فقال: "ويُذكَر عن أبي هريرة..." الخ.
- وعن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلانِ، فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ(عضديّ )، فَأَتَيَا بِي جَبَلا وَعْرًا( غليظًا.)، فَقَالا لِي: اصْعَد، فَقُلْتُ: إِنِّي لا أُطِيقُهُ، فَقَالا: إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ، فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ(أي وسط الجبل ) أو كنت في سَراة الجبل(أي أعلاه) ؛ إِذَا بِأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ؟، قَالَ: هذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّار( عواء :أي صُراخ وصياح )، ثُمَّ انْطَلَقَا بِي، فَإِذَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ،(العراقيب جمع عرقوب: عصب غليظ فوق عقب الإنسان أو العُرقوب: أي العَصَب الذي فوق مؤخرة قدم الإنسان)، مُشَقَّقَةٍ أَشْدَاقُهُمْ تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا،( الشَّدْق: أي جانب الفم مما تحت الخد.) فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ؟، فَقِيلَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ " والتَّحِلَّة: الحلول، ومجيء وقت الإفطار أي يفطرون قبل أن يحل الفطر لهم بغروب الشمس).
(رواه ابن خزيمة (رقم: 1986) وابن حبان (رقم: 7448) في "صحيحيهما"وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه الألباني).
هذه عقوبة من صام ثم أفطر عمداً قبل حلول وقت الإفطار، فكيف يكون حال من لا يصوم أصلاً؟!
- عن ابن عباس رضي الله عنه قال حمَّاد بن زيد: "ولا أعلمه إلا قد رفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم" قال: ((عُرى الإسلام، وقواعد الدين - ثلاثة، عليهنَّ أُسِّسَ الإسلام، مَنْ ترك واحدةً منهنَّ فهو بها كافرٌ حلال الدَّمِ: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان))؛ رواه أبو يعلى (4/ 2349)؛ "مجمع الزوائد" (1/ 48) بإسنادٍ حسنٍ.
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في كتابه الكبائر: "الكبيرة السادسة إفطار يوم من رمضان بلا عذر"، وقال في موضع آخر من الكتاب: "عند المؤمنين مقرر: أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا عرض أنه شر من المكَّاس - السارق أو قاطع الطريق ويشمل كل من يستولي على المال بغير وجه حق - والزاني ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه، ويظنون به الزندقة والانحلال".
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر: " الْكَبِيرَةُ الْأَرْبَعُونَ وَالْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ تَرْكُ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ، وَالْإِفْطَارُ فِيهِ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ ".
ويكون الأمر أعظم إذا كان ذلك على سبيل المجاهرة وأمام الآخرين، لما في ذلك من المجاهرة بالمعصية وجرح مشاعر الصائمين، وتشجيع ضعفاء النفوس على الاقتداء به، فيتحمل مثل أوزارهم من غير أن ينقص عنهم شيئاً. وعلى من شاهد من يجاهر بالفطر في نهار رمضان أن ينصحه بالتي هي أحسن، ويكون ذلك بهدوء ورفق ولين ولو كان صاحب عذر لئلا يشجع ضعاف النفوس على الفطر والتقليل من شأن الصوم في نفوسهم. وإذا فعل المسلم ذلك فقد ينصلح حال المفطر ويتوب إلى الله ،ويكون قد سقط على المسلم واجب إنكار المنكر.
أما لو أن هذا المفطر قد ستر على نفسه لكان ذنبه أهون وإن كان هو عظيم في ذاته قال العلامة ابن القيم: "والمستخفي بما يرتكبه أقل إثماً من المجاهر المستعلن والكاتم له أقل إثماً من المخبر المحدث للناس به فهذا بعيد من عافية الله تعالى وعفوه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ،وإن من المجاهرة أن يستر الله تعالى عليه ثم يصبح يكشف ستر الله عنه يقول يا فلان فعلت البارحة كذا وكذا فيبيت ربه يستره ويصبح يكشف ستر الله عن نفسه أو كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: قوله: (كل أمتي معافى) بفتح الفاء مقصور اسم مفعول من العافية وهو إما بمعنى عفا الله عنه وإما سلمه الله وسلم منه ... ومحصل الكلام كل واحد من الأمة يعفى عن ذنبه ولا يؤاخذ به إلا الفاسق المعلن أ. هـ ... وقال الطيبي: الأظهر أن يقال المعنى كل أمتي يتركون في الغيبة إلا المجاهرون، والعفو بمعنى الترك وفيه معنى النفي كقوله: {وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ} والمجاهر الذي أظهر معصيته وكشف ما ستر الله عليه فيحدث بها، وقد ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به اهـ. والمجاهر في هذا الحديث يحتمل أن يكون من جاهر بكذا بمعنى جهر به ... ويحتمل أن يكون على ظاهر المفاعلة والمراد الذي يجاهر بعضهم بعضاً بالتحدث بالمعاصي)
وقال الحافظ أبو العباس القرطبي في شرح الحديث السابق بعد أن ذكر اختلاف الروايات فيه: [وهذه الروايات وإن اختلفت ألفاظها هي راجعة إلى معنىً واحد قد فسره في الحديث وهو أن يعمل الرجل معصية في خفية وخلوة ثم يخرج يتحدث بها مع الناس ويجهر بها ويعلنها وهذا من أكبر الكبائر وأفحش الفواحش وذلك: أن هذا لا يصدر إلا من جاهل بقدر المعصية أو مستهين مستهزئ بها مصرٍ عليها غير تائب منها مظهرٍ للمنكر. والواحد من هذه الأمور كبيرة فكيف إذا اجتمعت؟! فلذلك كان فاعل هذه الأشياء أشد الناس بلاء في الدنيا وعقوبة في الآخرة لأنه تجتمع عليه عقوبة تلك الأمور كلها وسائر الناس ممن ليس على مثل حاله وإن كان مرتكب كبيرة فأمره أخف وعقوبته إن عوقب أهون. ورجوعه عنها أقرب من الأول لأن ذلك المجاهر قل أن يتوب أو يرجع عما اعتاده من المعصية وسهل عليه منها. فيكون كل العصاة بالنسبة إليه إما معافى مطلقاً إن تاب وإما معافى بالنسبة إليه إن عوقب والله تعالى أعلم "
وينبغي أن يعلم أن الإنسان إذا ابتلي بمعصية من المعاصي فالواجب عليه أن يستر نفسه ولا يظهر شيئاً من ذلك ولا يجاهر ويتوب إلى الله وفي الحديث (إن الخطيئة إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها ولكن إذا أعلنت فلم تنكر ضرت العامة]"
ولا شك أن المجاهرة بالإفطار فيها نوع من التبجح والافتخار بالمعصية وهذه وقاحة عظيمة وقلة حياء فهذا العاصي المجاهر لم يستح من الله سبحانه وتعالى ولم يستح من الناس. وقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها فمن ألم بشيء منها فليتستر بستر الله عز وجل وليتب إلى الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 663.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "قال ابن بطال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم، وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف، لأن المعاصي تذل أهلها، ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد ومن التعزير إن لم يوجب حداً، وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين ورحمته سبقت غضبه، فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة، والذي يجاهر يفوته جميع ذلك
وخلاصة الأمر أن الفطر في نهار رمضان بدون عذر حرام شرعاً ومن كبائر الذنوب فإذا انضم إلى ذلك المجاهرة بالفطر فقد ازداد إثماً على إثم والواجب على من فعل ذلك أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن يقضي ما أفطر من رمضان.
تذكير الناسي في الصيام
قد ينسى الإنسان ويأكل ويشرب في نهار رمضان فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) رواه البخاري ومسلم. فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الناسي في رمضان إن أكل أو شرب فيلزمه إتمام الصوم ولا يقطعه، وليس عليه قضاء ذلك اليوم، حيث إن الله قد ساق له رزقاً، فالأكل والشرب نسياناً أثناء الصوم لا يؤثر على الصوم
وقد ورد في الحديث: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه الطبراني والدارقطني والحاكم بألفاظ مختلفة وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.
وورد في رواية أخرى للحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أكل الصائم ناسياً أو شرب ناسياً فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه)
ولما ورد في الحديث عن أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم إسحاق رضي الله عنها: (أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بقصعة من ثريد فأكلت معه ومعه ذو اليدين -صحابي- فناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرقاً - عظم عليه لحم - فقال: يا أم إسحاق أصيبي من هذا. فذكرتُ أني كنت صائمة فرددت يدي لا أقدمها ولا أؤخرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مالك؟ قالت: كنتُ صائمةً فنسيت. فقال ذو اليدين: الآن بعدما شبعت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك] رواه أحمد والطبراني في الكبير كما قال الهيثمي. وغير ذلك في الأدلة.
لكن إذا وجدنا أنسانا يأكل وهو ناسي في نهار رمضان فعلينا أن نذكره
أولاً: لأن الأكل أو الشراب في نهار رمضان محرمٌ شرعاً ومنكرٌ يجب على من رآه أن ينكره وإن كان الناسي معذوراً عند الله سبحانه وتعالى لما سبق من الأدلة. فتذكيره بالصيام أمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر وهو الأكل في نهار رمضان.
ثانياً: إن ترك الناسي مستمراً في أكله وشرابه جهاراً وعدم تذكيره بالصيام فيه فتح باب شر على الناس فيجترئون على المجاهرة بالفطر في رمضان.( )
ثالثاً: إن تذكير الناسي واجب لأنه داخل في باب التعاون على البر والتقوى لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} سورة المائدة الآية 2.
رابعاً: يمكن أن تقاس هذه المسألة -وهي تذكير الناسي في الصيام- على تذكير الناسي في الصلاة، فقد شرع التسبيح في الصلاة لتذكير الإمام إذا سها في صلاته. فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم ... فلما سلَّم قيل له يا رسول الله: أحدث في الصلاة شيء؟ قال وما ذاك؟ قالوا صليت كذا وكذا فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلَّم فلما أقبل علينا بوجهه قال: إنه لو حدث في الصلاة شيءٌ لنبأتكم به ولكن إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين) رواه البخاري ومسلم.
ومن المستظرفات في هذا الباب ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني مما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار: (أن إنساناً جاء إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال: أصبحت صائماً فنسيت فطعمت، قال لا بأس. قال: ثم دخلت على إنسان فنسيت وطعمت وشربت، قال: لا بأس، الله أطعمك وسقاك. ثم قال: دخلت على آخر فنسيت فطعمت، فقال أبو هريرة: أنت إنسان لم تتعود الصيام).
فيجب تذكير الناسي في نهار رمضان ولا يصح القول بعدم تذكيره بحجة أن ذلك الطعام والشراب رزق ساقه الله إليه.
أنت في نعمة السماح بالطاعة .
حينما نستعرض تاريخ المسلمين الذين عانوا من الاضطهاد الدينى وتمنوا صيام شهر رمضان وأدخولهم محاكم التفتيش من أجل سؤالهم لماذا يصومون ولماذا ما زالوا مستمسكين بدينهم ، وعاشوا في المحن دهرا طويلا "في أرضٍ كانت إسلامية تُدعى الأندلس. وقد غلب الكفار سنة 1492م على أرضهم فساموهم سوء العذاب، وأرغموهم على التنصُّر واعتقاد الكفر والتثليث، وأكل لحم الخنزير، وشرب الخمر، والتسمِّي بالأسماء النصرانية، ولباس الزيّ النصراني... هذا وأجبروهم على التنصُّل من كل اعتقادات المسلمين، والتخلِّي عن المظاهر الإسلامية الظاهرة والباطنة.وقد حكموا على من خالف ذلك بالموت شنقا وحرقا أو بالسجن المؤبد أو المؤقت أو بمصادرة الأموال أو بالأشغال الشاقة و....و... ولائحة الإرهاب النصراني طويلة.وقد أطلق النصارى الإسبان على هذه الطائفة من المسلمين اسم (الموريسكيون Moriscos) أي "المسلمون الأصاغر"، تمييزًا لهم وتصغيرًا من شأنهم، كما أطلقوا عليهم اسم ( النصارى الجدد Cristianos nuevos).
فكيف كان يعيش المسلمون باطنا - في شهر رمضان. كيف كانوا يرون رمضان؟ هل كانوا يصومونه؟ كيف كانوا يعيشونه؟ ماذا لحقهم جرّاء ذلك؟ إلى غير ذلك من الاستفسارات التي قد تُطرح عن حياة هاته الفئة من المسلمين التي - صراحة - تجاهلها المؤرخون المسلمون وكما ستلاحظون فأغلب الوثائق التي سأنقلها ذات مصدر إسباني ومحفوظة في أرشيفهم.
يقول الباحث الإسباني الشهير خوليو كارو باروخا نقلا عن كتاب "سرفنتس والمورسكيون": أنه في بداية القرن السابع عشر كان أهل مرسية وجيان ومن بقي في غرناطة يصومون رمضان. أي بعد 110 سنوات على سقوط غرناطة حافظ الأندلسيون على صيام رمضان، وهذا إن كان يدلّ على شيء فإنما يدل على عظم مكانة هذا الشهر عندهم رغم بطش النصارى بهم وليعتبر اليوم من فرّط في صيام رمضان.
تشوق المسلمين (المورسكيين) لصيام رمضان
لقد كان المسلمون لشدة شوقهم لصيام رمضان يصعدون إلى المرتفعات لرؤية الهلال حرصا على صيام رمضان في وقته الشرعي. وفي هذا الإطار تروي الباحثة الإسبانية أرينال نقلا عن محاضر محاكم التفتيش بكوينكا:"يبدأ الصيام بظهور هلال رمضان الذي كان يدور حوله توقع كبير.وكان هناك قلق عند انتظار الهلال ومراقبته، وكانوا ينقلون خبر ظهوره بين القرى المجاورة ويتناقشون حوله.وتسبب هذا الاهتمام بهلال رمضان في محاكمة عدد ليس بالقليل من المورسكيين.تجدر بالذكر حالة ديثا، ففي عام 1570م - أي بعد 78 سنة على تنصير المسلمين - تم القبض على نصف القرية لأنهم خرجوا إلى أماكن الفضاء لرؤية ظهور هلال رمضان، ولما دار جدل حول ما إذا كان الهلال ظهر أم لا انقسموا إلى جماعات متفرقة وبدأت كل جماعة تدافع عن موقفها بصوت عال، وبالتالي علمت السلطات وقبضت عليهم.
وقد سجلت محاضر محاكم التفتيش الإسبانية أعدادا كبيرة من حالات ضُبط فيها الأندلسيون في حالة صيام (عندما يصبح الصيام جريمة ولا حول ولا قوّة إلا بالله) وتبقى أشهر قضية عرفتها محاكم التفتيش هي ضد عائلة ابن عامر المسلمة - سليلة المنصور ابن أبي عامر الشهير - ببلنسية سنة 1567م وتبيّن لنا هذه القضية تعظيم المورسكيين لشهر رمضان وإصرارهم على صيامه رغم المنع والحضر النصراني لأي مظهر إسلامي.
فهذا طرف من محنة الأندلسيين في شهر رمضان، أسأل الله أن يرحم أولئك الأندلسيين الذين قضوا على يد محاكم التفتيش الإسبانية وأن يسكنهم فسيح جنانه.
وفي ضوء ما تقدم: حري بكل مسلم ومسلمه الحفاظ على قدسية رمضان وصيامه، وأن يتوقَّى الإخلال بطُهره وحُرمته وشرفه، فإن الأجور فيه عظيمة، ولا يصلح بحال أن يضيع عليه هذا الموسم الشريف دون اغتنام حسناته، فضلاً عن أن يفطر فيه ويأتي بالذنوب والآثام.
وفقنا الله جميعاً لاغتنام الخيرات وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وكتب لنا العتق من النار ووالدينا وأهلينا وذرياتنا والمسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.